علي رضي الله عنه 17
معركة صفين (37هـ) 8
نهى أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام
روى أن عليًا- رضي الله عنه – لما بلغه أن اثنين من أصحابه يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام أرسل إليهما أن كفّا عما يبلغني عنكما، فأتيا فقالا:ـ يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟.
قال: ـ بلى وربّ الكعبة المسدّنة.
قالا: ـ فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟
قال:ـ كرهت لكم أن تكونوا لعّانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأبعدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقَّ من جهله ويرعوى عن الغيّ من لجج به.
وأما ما قيل من أن عليًا كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن عليًا وابن عباس والحسن والحسين، فهو غير صحيح، لأنّ الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا أكثر حرصًا من غيرهم على التقيد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم ولعنه.
فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (من لعن مؤمنًا فهو كقتله)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان»
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة»).
كما أن الرواية التي جاء فيها لعن أمير المؤمنين في قنوته لمعاوية وأصحابه ولعن معاوية لأمير المؤمنين وابن عباس والحسن والحسين لا تثبت من ناحية السند حيث فيها أبو مخنف لوط بن يحيى الرافضي المحترق الذي لا يوثق في رواياته.
اعتذار عبد الله بن عمرو إلى الحسن بن علي
وأخرج البزّار عن رجاء بن ربيعة قال: كنت جالساً بالمدينة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقة فيها أبو سعيد وعبد الله بن عمرو، فمر الحسن بن علي فسلَّم، فرد عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو، ثم اتَّبَعه فقال: وعليك السلام ورحمة الله، ثم قال: هذا أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء، والله ما كلمته منذ ليالي صِفِّين؛ فقال أبو سعيد:ـ ألا تنطلق إليه فتعتذر إليه؟
قال: نعم.
فقام فدخل أبو سعيد فاستأذن فأذن له، ثم استأذن لعبد الله بن عمر فدخل، فقال أبو سعيد لعبد الله بن عمرو: حدَّثنا بالذي حدَّثتنا به حيث مرّ الحسن.
فقال: نعم، أنا أحدثكم إنه أحب أهل الأرض إلى أهل السماء.
فقال له الحسن:ـ إذ علمت أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلم قاتلتنا أو كثَّرت يوم صِفِّين؟
قال: أما إني والله ما كثَّرت سَواداً ولا ضربت معهم بسيف، ولكني حضرت مع أبي أو كلمة نحوها. قال:ـ أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله؟
قال: بلى، ولكني كنت أسرد الصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل قال: ـ " «صم وأفطر، وصلِّ ونم، فإني أنا أصلِّي وأنام وأصوم وأفطر». قال لي: «يا عبد الله. أطع أباك»، فخرج يوم صِفِّين وخرجت معه. قال الهيثمي رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح غير هاشم بن البريد وهو ثقة. انتهى.